ماذا بعد التصميم؟
كيف يكون التصميم أداة، ووسيلة، وليس هو الغاية والمحصلة النهائية!
التصميم من أجل الإنسان
ياسمين الرخيمي | مؤسسة وصال
7/24/20251 دقيقة قراءة
ثم ماذا؟؟
دائما ما كنت ابحث عن المعنى خلف الأشياء والأحداث، محاولة في فهم الغاية منها، وحكمتها! أي عمل -مهما بدا ساحرًا من الخارج- بلا غاية أسعى لها من خلاله، يكون عديم اللون والشكل .. بلا ملامح
من هنا صرت أتساءل تجاه أي شي أقوم به !! ثم ماذا؟؟ إلى أي مدى يخدم هذا العمل رسالة وجودي هنا في الأرض كخليفة لله؟ تساؤل غير مقتصر على الجانب المهني إطلاقا !! في عائلتي، بين أهلي، مع ابني، مع الأصدقاء، مع الغرباء .. كيف يكون هذا العمل جزءا من خلافتي في الأرض؟
إنها النية .. إنها إجابة السؤال "لماذا؟"
قبل أن تفتح برنامج التصميم، اسأل قلبك: لماذا؟
هذا السؤال البسيط هو ما يرفع التصميم من حرفة إلى رسالة .. من غاية، إلى وسيلة لتحقيق الغاية الأسمى ..
منهجية الابتكار في IDEO تُعلّمنا أن أول خطوة في "التصميم من أجل الإنسان" هي صياغة تحدٍّ يبدأ بكلمة "لماذا" وليس "ماذا"، أسأل "لماذا أفعل؟" قبل أن تسأل "ماذا يجب أن أفعل؟" ..
بحسب تقرير «Forward with Purpose» من Deloitte عندما تُبنى الشركات على غاية واضحة، تَصِل قيمة علامتها أعلى بـ 2.4 مرّة ..
الغاية هنا ليست شعارًا أخلاقيًّا يُعلّق على الحائط، بل بوصلة تُعيد ترتيب القرارات اليومية .. خُذ مثال مشروع اجتماعي يسعى لتقليل الهدر الغذائي: لو جعلنا الربحية، أو الجمال أو التوسع هو الغاية، لانتهى بنا المطاف بصور طعامٍ تُسيل اللعاب. لكن حين تكون النية "الإعمار" أي خدمة الأرض والإنسان، يتحوّل التصميم إلى نظام بصري، واستراتيجية تواصل بأسلوب يستثير إحساس المسؤولية، ورموز تحفز إعادة الاستخدام، ونبرة تشجّع المشاركة بدلا من الاستهلاك العشوائي.
ابن القيم يذكّرنا بأن "النية روح العمل"، ودون روحٍ يصبح التصميم "مبنى بلا سكّان". أما علم النفس السلوكي فيشير إلى أن العمل المرتبط بمعنى شخصي يرفع الدافعية الداخلية ويزيد الإبداع بنسبة تصل إلى 30 ٪ .. هذا الاندماج بين الروح والبحث هو ما يجعل التصميم جسرًا حقيقيًّا بين الرسالة والأثر.
في وصال نستخدم "مصفوفة النية": محور أفقي يحدّد "منفعة الإنسان" ومحور عمودي يقيس "أثره على الكوكب" أي مقترح تصميمي لا يقع في الربع الإيجابي لكلا المحورين يُعاد التفكير فيه .. هكذا نضمن أن يبقى الشكل تابعًا للجوهر، لا سيّدًا عليه.
والأجمل أنّ التصميم المبني على النية، والغاية العليا، يحررنا من عبء "الموضة اللحظية". فإذا ظهرت موجة ألوان جديدة، نسأل: هل تخدم قصتنا؟ وإن تغيّر ترند الخطوط، نفكّر: هل يناسب صوت علامتنا؟ المعيار لم يعد "المنافسون يفعلون" بل "قِيَمُنا تدعو إلى".
ينطبق هذا المفهوم أيضا على بناء استراتيجية العلامة، ليس الهدف هنا أن نتميز عن المنافسين، ليس الهدف أن نبتدع تصاميم وألوان ومنتجات مختلفة عن المنافسين وجديدة في السوق .. كلها أدوات تسويقية وليست أهداف، بدون جوهر صلب تستند عليه تكون قشور هشّه ..
حدثني عن المشكلة التي أنت هنا لتحلها؟ لماذا تؤرقك هذه المشكلة وتبحث لها عن حل؟ أين تريد أن تصل من خلال حلّك لهذه المشكلة؟ من المستفيد من خلال هذا الحل؟
هنا جوهر علامتك .. هنا قاعدة الأساس لمنتجك وكل القرارت المتعلقة بالتصميم لمشروعك ..
في النهاية، التصميم ليس ملعب استعراض، بل محرّك تطوير؛ أداة نعمر بها الأرض فكرةً بعد فكرة. وكل لونٍ نختاره، كل زرٍّ نكبّره، كل خطٍّ نُدوّره، قد يكون لبنةً في بيتٍ يسكنه إنسانٌ لم نلتقِ به بعد .. فلنعزم أن نجعل تلك اللَّبنات صالحةً للسكنى.
المراجع
IDEO.org. The Field Guide to Human-Centered Design (2015). ideo.org
Deloitte. Forward with Purpose: Impact Report 2024 (2024). Deloitte
ابن القيم. مدارج السالكين. (طبعة دار طيبة).
Softway. «Don Norman’s Three Levels of Emotional Design…» (2023). softway.net
info@wesaldesign.com
جميع الحقوق محفوظة - مؤسسة رسالة ووصال لحلول التصميم © 2025